الغرق في المشاعر.. هكذا صنعت اللقطة الطويلة من "1917" فيلما عظيما
لم تكن اللقطة الطويلة المستمرة في بدايات السينما خيار جمالي بالنسبة لصانعي الأفلام بل كانت ضرورة، حيث إن مساحة الفيلم صغيرة، فكانت الأفلام أشبه بتصوير مشاهد من الحياة بشكل مستمر حتى ينفذ الفيلم المستخدم.
لكن مع اكتشاف المونتاج أو قابلية التقطيع في السينما، أصبح الاتجاه لاختيار اللقطات الطويلة هو اتجاه فني وجمالي بالدرجة الأولى، بل ينظر إليه البعض أنه جوهر الواقعية والصدق السينمائي، فعند اختيار الاستمرار في التصوير لا يوجد مجال للخداع، يترك ذلك للمشاهد مساحة لاختبار شعوره بنفسه دون التلاعب به أو توجيهه.
اللقطة الطويلة هي لقطة سينمائية تستمر لدقائق دون قطع، يمكن أن تستمر لفترة قصيرة ويمكن أن تستمر إلى أن تبلغ طول الفيلم بالكامل فتصبح لقطة طويلة من ساعتين مثلا.
تجارب قليلة في السينما الحديثة نجحت في تحقيق فكرة اللقطة الواحدة المستمرة بعضها عن طريق القطع المستتر، أي الإيهام بكونها لقطة واحدة، وبعضها نفذ النظرية فعلا دون أي تلاعب، من الأفلام التي حققت ذلك بشكل نقي وكامل فيلم "السفينة الروسية" (Russian ark)، وفيلم أحدث بعنوان "فيكتوريا" (Victoria).
أما بالنسبة للأفلام التي نجحت في صنع ذلك التأثير بمساعدة مهارة القائمين على المونتاج والتصوير دون أن تكون بالفعل لقطة واحدة مستمرة فمنها "الرجل الطائر" (birdman)، وهذا العام الفيلم الحربي الملحمي "1917" للإنجليزي سام مينديز الحاصل على عشرة ترشيحات للأوسكار.
عند الحديث عن فيلم 1917 لا يمكن ببساطة تجاهل الجانب التقني من الفيلم، فكونه مصورا ليصبح لقطة واحدة تتتبع أبطاله وتجعل المشاهد في وحدة معهم، هو عنصر أساسي من عناصر جذب الفيلم واعتباره فيلما مميزا في نوعه.
القصة التي يحكيها مينديز بسيطة في جوهرها، رواها عليه جده الذي يهدي له الفيلم كأحد أبطال الحرب العالمية الأولى، جنديان فتيان يذهبان في مهمة شبه مستحيلة لإيصال رسالة لأحد الفيالق على حدود أراضي العدو، هو أشبه بفيلم رحلة، يتغير خلالها أبطاله كأنه قصة نضوج في وجه الموت المحتوم.
ورغم أن القصة وتفاصيلها لا تملك جديدا بشكل خاص، فإن مينديز اهتم بإمكانيات الوسيط السينمائي نفسه، بأن يصنع فيلما يستحيل حكيه بل يمكن فقط اختباره، يغرق "1917" حواس المشاهد، نصبح فجأة داخل عالم من الألوان والأضواء والملامس، رطوبة الأرض ونعومة الزهور، صوت الأحذية الغارقة في الوحل، صمت الترقب، بزوغ الفجر فجأة، إنارة النيران لأطلال المدن وظلالها الممدودة، ثبات الموت وحركة الأحياء.
في بداية الأربعينيات كان من أكثر منظري ودارسي السينما حماسا للقطة الطويلة هو الفرنسي أندري بازان، الذي عظم من قيمة اللقطات الطويلة مقابل مدارس مثل المونتاج السوفياتي التي جعلت من التقطيع المونتاجي همها الأول لإيصال المعنى.
وبسبب طبيعتها السياسية، بدت تلك الطريقة إمعانا في توجيه المشاهد نحو تفسير واحد وإيقاف دوره كخالق معنى، رأى بازان أن قلة القطع واستمرار التصوير يجعل المشاهد حرا ويزيد السينما نزاهة وصدقا.
إذا طبقنا كلام بازان على فيلم 1917 فيمكننا الشعور بذلك، بالطبع يختار المخرج مع مدير التصوير روجر ديكنز مكان الكاميرا واتجاه حركتها وماذا ترى وماذا تخبئ عنا، لكنه يترك لنا اختبار المشاعر كما وجدت.
في أحد المشاهد يُقتل أحد الجنود، ولكن لا نرى عملية القتل بشكل قريب بل نشهد نتيجتها أمامنا على الشاشة، شاب كان ذات مرة متورد الوجه يحكي الحكايات الطريفة، يسلب منه اللون والحياة تدريجيا بينما يفقد دماءه، لا تهرب الكاميرا من مأساة كتلك لكنها تؤطرها لأطول وقت ممكن حتى يبيض وجه الفتى أمامنا، يعزز ذلك من قيمة المشهد العاطفية كما يقربه من الحقيقة، فنحن على سبيل المثال نشهد حزن زميله عليه، ولا يحدث ذلك خارج الكادر فتعود الكاميرا ونرى دموعه، بل يحدث بالتدريج أمام أعيننا.
لكن مع اكتشاف المونتاج أو قابلية التقطيع في السينما، أصبح الاتجاه لاختيار اللقطات الطويلة هو اتجاه فني وجمالي بالدرجة الأولى، بل ينظر إليه البعض أنه جوهر الواقعية والصدق السينمائي، فعند اختيار الاستمرار في التصوير لا يوجد مجال للخداع، يترك ذلك للمشاهد مساحة لاختبار شعوره بنفسه دون التلاعب به أو توجيهه.
اللقطة الطويلة هي لقطة سينمائية تستمر لدقائق دون قطع، يمكن أن تستمر لفترة قصيرة ويمكن أن تستمر إلى أن تبلغ طول الفيلم بالكامل فتصبح لقطة طويلة من ساعتين مثلا.
تجارب قليلة في السينما الحديثة نجحت في تحقيق فكرة اللقطة الواحدة المستمرة بعضها عن طريق القطع المستتر، أي الإيهام بكونها لقطة واحدة، وبعضها نفذ النظرية فعلا دون أي تلاعب، من الأفلام التي حققت ذلك بشكل نقي وكامل فيلم "السفينة الروسية" (Russian ark)، وفيلم أحدث بعنوان "فيكتوريا" (Victoria).
أما بالنسبة للأفلام التي نجحت في صنع ذلك التأثير بمساعدة مهارة القائمين على المونتاج والتصوير دون أن تكون بالفعل لقطة واحدة مستمرة فمنها "الرجل الطائر" (birdman)، وهذا العام الفيلم الحربي الملحمي "1917" للإنجليزي سام مينديز الحاصل على عشرة ترشيحات للأوسكار.
عند الحديث عن فيلم 1917 لا يمكن ببساطة تجاهل الجانب التقني من الفيلم، فكونه مصورا ليصبح لقطة واحدة تتتبع أبطاله وتجعل المشاهد في وحدة معهم، هو عنصر أساسي من عناصر جذب الفيلم واعتباره فيلما مميزا في نوعه.
القصة التي يحكيها مينديز بسيطة في جوهرها، رواها عليه جده الذي يهدي له الفيلم كأحد أبطال الحرب العالمية الأولى، جنديان فتيان يذهبان في مهمة شبه مستحيلة لإيصال رسالة لأحد الفيالق على حدود أراضي العدو، هو أشبه بفيلم رحلة، يتغير خلالها أبطاله كأنه قصة نضوج في وجه الموت المحتوم.
ورغم أن القصة وتفاصيلها لا تملك جديدا بشكل خاص، فإن مينديز اهتم بإمكانيات الوسيط السينمائي نفسه، بأن يصنع فيلما يستحيل حكيه بل يمكن فقط اختباره، يغرق "1917" حواس المشاهد، نصبح فجأة داخل عالم من الألوان والأضواء والملامس، رطوبة الأرض ونعومة الزهور، صوت الأحذية الغارقة في الوحل، صمت الترقب، بزوغ الفجر فجأة، إنارة النيران لأطلال المدن وظلالها الممدودة، ثبات الموت وحركة الأحياء.
في بداية الأربعينيات كان من أكثر منظري ودارسي السينما حماسا للقطة الطويلة هو الفرنسي أندري بازان، الذي عظم من قيمة اللقطات الطويلة مقابل مدارس مثل المونتاج السوفياتي التي جعلت من التقطيع المونتاجي همها الأول لإيصال المعنى.
وبسبب طبيعتها السياسية، بدت تلك الطريقة إمعانا في توجيه المشاهد نحو تفسير واحد وإيقاف دوره كخالق معنى، رأى بازان أن قلة القطع واستمرار التصوير يجعل المشاهد حرا ويزيد السينما نزاهة وصدقا.
إذا طبقنا كلام بازان على فيلم 1917 فيمكننا الشعور بذلك، بالطبع يختار المخرج مع مدير التصوير روجر ديكنز مكان الكاميرا واتجاه حركتها وماذا ترى وماذا تخبئ عنا، لكنه يترك لنا اختبار المشاعر كما وجدت.
في أحد المشاهد يُقتل أحد الجنود، ولكن لا نرى عملية القتل بشكل قريب بل نشهد نتيجتها أمامنا على الشاشة، شاب كان ذات مرة متورد الوجه يحكي الحكايات الطريفة، يسلب منه اللون والحياة تدريجيا بينما يفقد دماءه، لا تهرب الكاميرا من مأساة كتلك لكنها تؤطرها لأطول وقت ممكن حتى يبيض وجه الفتى أمامنا، يعزز ذلك من قيمة المشهد العاطفية كما يقربه من الحقيقة، فنحن على سبيل المثال نشهد حزن زميله عليه، ولا يحدث ذلك خارج الكادر فتعود الكاميرا ونرى دموعه، بل يحدث بالتدريج أمام أعيننا.
Comments
Post a Comment